فقط من قاموا بتجربة المقامرة يعرفون على وجه الدقة عن ماذا يحدث بداخل الإنسان عند وضع رهان ما! فهم يعرفون الشعور جيداً ولكنهم في أغلب الأحوال يفشلون في وصفه بكلمات، لكن جاء العلم ليفسر ذلك بأنه اندفاع لا مثيل له للأدرنالين في الجسم فضلاً عن تفاعلات سيكولوجية – سلوكية – وكذلك تفاعلات نفسية كثيرة تجعل الإنسان يشعر بالنشوة وروح المغامرة والرغبة الشديدة في المقامرة.
مما لا شك فيه أن كبار مصممي صناعة المراهنات حرصوا على الاستفادة من هذه المعلومات القيمة في جذب عدد أكبر من الأشخاص وتشجيعهم على القيام بالمراهنات المختلفة، وقد ساعدهم على ترويج هذه الأفكار هو قيام أشخاص حقيقين بمراهنات ضخمة وبها نسبة كبيرة من المخاطرة وحققوا الفوز بها، مثل قصة دارين الشهيرة والتي راهن فيها بمبلغ قدره 60 جنية إسترليني ليربح في النهاية مبلغ 550 ألف جنية إسترليني. فحقاً أن كل من جرب المقامرة وخصوصاً الفوز بها يعرف جيداً التأثيرات النفسية والكيميائية التي تحدث قبل الرهان وأثناء وضع الرهان وبالطبع عند الفوز بالرهان.
كيفية عمل العقل البشري أثناء الرهان
تلعب المراهنات على كل من الترفيه الذي يحتاجه الإنسان وكذلك الإثارة التي تحقق عند القيام بهذه الممارسات، وهذا ليس مجرد شعور نفسي ليس له أسباب وانما يعود إلى عمل دوائر معينة في المخ تقوم بالوصول إلى هذه الحالة وإفراز هذه المشاعر التحفيزية والممتعة في نفس الوقت.
هذا ليس في مجال المراهنات وحسب، بل أن الأمر ذاته يحدث للإنسان في العديد من المواقف المختلفة، فعندما ينجح الإنسان في حياته الدراسية أو المهنية بالحصول على الدرجات العالية أو عند الحصول على ترقية ما، يقوم المخ بإرسال بعض الإشارات التي تحمل المواد الكيميائية العصبية والتي تجعل الإنسان يشعر بحالة من الفرح والسعادة بشكل كبير جداً. كما وجد العلماء أن المخ يقوم أيضاً بإفراز مادة الدوبامين وهي المادة التي يقوم المخ بإفرازها عند الحصول على المتعة والأثارة، فالشخص عندما يجرب المقامرة ويشعر بالسعادة، سوف يريد أن يلعب القمار أكثر وأكثر من أجل الحصول على المكافأة المتمثلة في المتعة والأثارة اللاتان سوف يحصل عليهم عند لعب القمار كما حدث من قبل. فالإنسان يميل على تكرار كل شيء جلب له المتعة وذلك رغبة في الحصول على أعماق جديدة من المتعة والأثارة.
يعتبر الشيء الوحيد السلبي في هذا الأمر، هو أنه في حالة تنشيط الدوبامين بطريقة مبالغ فيها، فإن مستويات إفرازه من قبل المخ سوف تقل بالتدريج والخوف هنا في أن تصل إلى مستويات متدنية للغاية؛ يحدث هذا عادة مع مدمني القمار والذين دائماً ما يبحثون عن تحقيق أي فوز في المقامرة رغبة في تعويض نقص الدوبامين في الظروف العادية.
الرغبة الدائمة في لعب القمار
تحظى ألعاب القمار بشعبية جارفة ليس فقط بسبب متعة اللعبة نفسها، ولكن كذلك بفضل قدرتها على جعل الأشخاص في حالة رغبة في مزيد من اللعب سواء عندما يحققون الفوز أو الخسارة على حد سواء!
فكيف يحدث ذلك؟ في حالة الفوز تقوم الخلايا العصبية والمسؤولة عن إفراز الدوبامين بإفراز كمية كبيرة من الدوبامين عند تحقيق الفوز في أحدى المراهنات الرياضية، وتكون الكبيرة أكبر بكثير عند تحقيق فوز أعلى من التوقعات مثل الفوز بالجائزة الكبرى العشوائية على سبيل المثال؛ وهذا ما شبه البروفيسور رون ريجيو الباحث في معهد كرافيس بكاليفورنيا عندما أشار إلى أن الفوز بالمراهنات يشبه إلى حد كبير الحصول على نتيجة إيجابية في مواقف الحياة العادية مثل الحصول على تشجيع عند الفوز في مباره رياضية أو قبول أحد الأشخاص بالخروج معك على العشاء؛ فالنتيجة تكون واحدة بالوصول إلى تحفيز العقل والحصول على الدوبامين المسؤول عن المتعة.
على الناحية الأخرى، يستمر الشخص الذي يخسر في المراهنات في المقامرة لمرات متتالية، لأنه يعرف في قراره نفسه أن الفوز والمكافأة سوف يأتون في وقت ما أثناء اللعب، هو لا يعرف متى تحديداً وهذا بالفعل ما يحفزه على الاستمرار في اللعب أكثر وأكثر من أجل الوصول إلى ما سوف يجعله سعيد وهو الربح، وبمجرد أن يربح يعود ليكرر اللعب مرات أخرى للحصول على مزيد من المتعة التي حصل عليها عند الفوز وهكذا.
أنواع المراهنين: الاندفاع نحو الربح أو الخوف من الخسارة
أوضحت العديد من الدراسات النفسية أن المخاطرة والمكافأة الناتجة عن الفوز هما من أكثر الأشياء التي تجعلنا نشعر بالإثارة أثناء القيام بالمراهنات وتوقع تحقيق الربح. بمعنى أخر، المكافأة هي العامل الإيجابي الذي يقوم بتحفيز المخ للعب أكثر وأكثر وذلك بهدف الوصول إلى النتائج الجيدة؛ وذلك بالطبع فيما يخص الأشخاص التي تندفع لتحقيق الربح.
أما فيما يخص الأشخاص الذين يخشون الخسارة عند القيام بالمراهنات، فهم في أغلب الأحوال يقومون بالمراهنات بهدف تعويض الخسائر التي حدثت لهم في البداية وليس من أجل الوصول إلى المتعة والإثارة بتحقيق الفوز والأرباح ولكن يسيطر عليهم تعويض الأموال التي تم خسارتها مهدف أساسي. وهذا ما يوضح الفرق بين المراهنين بين المراهنين الذين يخافون من الخسارة والمراهنين الذين يتوقعون بشكل دائم الفوز.
على الناحية الأخرى، فأن رغبة اللاعب في الإحساس بقدرته على الفوز في أي لحظة يدفع اللاعب لمزيد من اللعب لمرات عدة، فهو يشعر في قراره نفسه أنه قريب جداً من الفوز مهما بلغت خسائره! الجدير بالذكر أن على كل لاعب أن يميز بين الألعاب المختلفة والتي يعتمد بعضها على الحظ بشكل كبير مثل لعبة السلوتس، ماكينات القمار، على سبيل المثال لا الحصر، وبين الألعاب التي تطلب مهارة وفكر من اللاعبين مثل العاب البلاك جاك أو العاب البوكر الشهيرة. فالثانية تتطلب وعي وتخطيط ودراسات قبل أي حركة إذا أراد تحقيق الفوز سواء على المدى القصير أو الطويل، أما الأولى فكما ذكرنا تعتمد على الحظ بشكل كبير جداً وبالتالي لا يمكن توقع الفوز فيها بسهولة لأنها لا تعتمد على الفكر والاستراتيجيات والخطط. ويظل الدافع القوي الذي يدفع جميع اللاعبين بمختلف أنواعهم لمزيد من اللعب تلك المقولة الشهيرة التي تقول إن الم الخسارة يظل لفترة أطول من فرح الربح؛ ولذلك يسرع اللاعبين في السعي بشكل فوري لتعويض أي خسارة وهو الشعور الذي لا يفارق اللاعب أبداً.